يقول عليه الصلاة والسلام:
(المرء على دين خليله - يعني صاحبه - فلينظر أحدكم من يخالل).
فالمؤمن ينظر في أصحابه وأخلائه ويختار الأخيار الطيبين
أهل الصلاح ،
أهل الاستقامة ،
أهل السمعة الحسنة
حتى يعينوه على طاعة الله ،
وحتى يستشيرهم فيما يشكل عليه ،
وحتى يتعاون معهم في الخير ،
ولا يتخذ أهل الفسق والكفر أصحاباً وأولياء ؛
لأنهم يضرونه ويجرونه إلى أباطيلهم ،
يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم :
(( لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي ))
أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي.
ومعناه كما قال المناوي في فيض القدير:
لا تصحب إلا مؤمناً،
وكامل الإيمان أولى لأن الطباع سراقة...
وصحبة من لا يخاف الله لا يؤمن غائلتها
لتغيره بتغير الأعراض،
قال الله تعالى :
{ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
والطبع يسرق من الطبع من حيث لا يدري....
(ولا يأكل طعامك إلا تقي )
لأن المطاعمة توجب الألفة وتؤدي إلى الخلطة ؛
بل هي أوثق عرى المداخلة.
ومخالطة غير التقي تخل بالدين
وتوقع في الشبه والمحظورات ؛
فكأنه ينهى عن مخالطة الفجار إذ لا تخلو عن فساد
إما
بمتابعة في فعل
أو
مسامحة في إغضاء عن منكر،
فإن سلم من ذلك ولا يكاد فلا تخطئه فتنة الغير به.
وليس المراد حرمان غير التقي من الإحسان
لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم
أطعم المشركين وأعطى المؤلفة المئين
بل يطعمه ولا يخالطه،
والحاصل أن مقصود الحديث
- كما أشار إليه الطيبي -
النهي عن كسب الحرام وتعاطي ما ينفر منه المتقي..
فالمعنى: "لا تصاحب إلا مطيعاً ولا تخالل إلا تقياً"
انتهى
(مثل الجليس الصالح والجليس السوء كمثل حامل المسك ، ونافخ الكير ،
فحامل المسك أما أن يحذيك - يعني يعطيك - وإما أن تبتاع منه
- يعني تشتري منه - وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ،
أما نافخ الكير فإما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة)